
مصاص الدماء من وجهة نظر الطب
هل مصاص الدماء حقيقة ام خيال ؟ يعتبر مصاص الدماء هو كائن أسطوري من صنع خيال البشر ، حيث ادخله البشر في كثير من الكتب و الروايات و تم انتاج العديد من الأفلام التي تتناول قصة مصاص الدماء ، و هناك الكثير من شخصيات مصاصي الدماء التي تم تناولها في الفلوكلور الشعبي أمثال : دراكولا و إسانبوسام الذي يرجع أصله لجنوب غانا و ماناناغال الذي موطنه الفلبين .
كل هذه القصص الخيالية تجمعها بعض من الصفات المشتركة مثل : الخوف من رائحة البصل ، و تجنب التعرض لضوء الشمس ، و نفس مصير الضحية عندما تتعرض للعض من قبل مصاصة الدماء ، و لكن عند التدقيق و الفحص من وجهة نظر الطب سنكتشف شيئا عجيبا و هو أن اسطورة مصاص الدماء يرجع أصلها من خلال النظرة الطبية لبعض الأمراض النادرة في الطب مثل : البورفيريا (Porphyria) ، داء الكلب (Rabies) ، البيلاغرا (Pellagra) .
و فيما يلي سنتناول أوجه التشابه بين أعراض هذه الأمراض و صفات اسطورة مصاص الدماء لكي نصل من كل هذا إلي حقيقة مصاصي الدماء و نثبت أنهم من نسج خيال الإنسان .
مرض البورفيريا و حقيقة مصاص الدماء :
تعتبر البورفيريا من ضمن أمراض الدم ، و هي تنقسم لثمان أنواع ، و تؤثر البورفيريا علي عملية تصنيع الهيم (Heme) و هو مكون أساسي للهيموجلوبين البروتين الموجود في كريات الدم الحمراء ، و هو المسئول عن الارتباط بالاكسجين و حمله لخلايا الجسم المختلفة لكي تقوم بالعمليات الحيوية المسئولة عن بقاء الانسان . و عندما يرتبط الهيم بعنصر الحديد ذلك ما يعطي الدم لونه الأحمر المعروف .
و تحدث البورفيريا نتيجة بعض الطفرات الجينية فتؤدي الي عدم تصنيع الهيم و ظهور العديد من الأعراض الطبية ، و من بين أنواع البورفيريا المعروفة هناك أشهر نوع المسئول عن ظهور أعراض مشابه لصفات مصاص دماء .
ما سبب النشاط الليلي في مرض البورفيريا مثل ما يحدث مع اسطورة مصاص الدماء ؟
يعتبر (Erythropoietic protoporphyria) هو أشهر نوع من البورفيريا يحدث في الأطفال ، و يسبب هذا المرض للناس حساسية الجلد تجاه ضوء الشمس ، حيث إذا تعرض المريض لضوء الشمس يصيبه الحروق و الفقاعات المؤلمة في جلده ، كما يتعرض مصابي هذا النوع من البورفيريا للانيميا و فقر الدم بشكل مزمن و يزيد خصوصا مع تعرضهم لضوء الشمس ، فيصبحون علي هيئة كسولة ضعيفة النشاط ذات بشرة شاحبة .
لذا لا يعرضون أنفسهم لضوء الشمس حتي في يوم ملبد بالغيوم ، لانه في هذه الحالة يوجد أشعة فوق البنفسيجية كافية لاصابتهم بالتشوهات و الحروق في أجزاء جسمهم المكشوفة للضوء كالأذن و الأنف . لذا يبقي مصابون البورفيريا في منازلهم في أوقات وجود الشمس و لا يخرجون إلا بالليل ، كما يحتاجون للدم لتعويض الهيم الناقص في أجسامهم لتخفيف هذه الأعراض ، و لكن لا يشربوه بالفم لان بذلك سيهضم و تضيع مكوناته ، بل يتلقونه عبر الوريد .
لذا كل ما تم ذكره من أعراض هذا المرض تدعم اسطورة مصاص الدماء و صفاته ، و يسعي العلماء في اكتشاف الطفرات الجينية التي تسبب هذا النوع من البورفيريا و محاولة ايجاد طرق لعلاج هذا المرض .
طبيعة أعراض هذا النوع من البورفيريا التي تشبه صفات مصاص الدماء :
لكي يتم انتاج الهيم تقوم أجسامنا بعملية انتاج للبورفيرين أولا (Porphyrin) ، و تحدث هذه العملية في الأساس في الكبد و نخاع العظام ، لذا أي اخطاء جينية قد تؤثر علي هذه العملية و تعوق قدرة الجسم علي انتاج الهيم ، و بالتالي مع قلة انتاج الهيم يتم تراكم بعض المنتجات الآخري التي كانت تنتج قبله في سبيل الحصول علي الهيم في الخطوة النهائية ، و هذه المنتجات تعرف باسم بروتوبورفيرين (Protoporphyrin) .
و في حالة اشهر نوع من البورفيريا الذي ذكرناه في السابق تكون هذه المكونات من النوع بوروتوبورفيرين 9 الذي يتراكم في خلايا الدم الحمراء و البلازما و احيانا في الكبد . و عندما تتعرض هذه المكونات لأشعة الشمس تنتج بعض المواد المسئولة عن تكسير و تدمير الخلايا المجاورة .
و بالتالي يتعرض مصابون هذا النوع من البورفيريا لانتفاخ الجلد و اصابته بالحروق و الاحمرار فور تعرضهم لأشعة الشمس ، حتي لو كمية قليلة منها عبر زجاج النافذة ، كما أن مصابي البورفيريا لا يطيقون البصل لاحتوائه علي مكونات تقوم بتحفير الانزيم المسئول عن تكسير الهيم داخل أجسادنا مما يؤدي إلي تفاقم فقر الدم لدي المريض .
هناك الكثير من المسارات الجينية التي اذا تلفت تؤدي الي هذا النوع من البورفيريا بأعراضه السخيفة ، ولكن هناك أيضا الكثير من هذه المسارات لم يكتشف بعد ، حيث يوجد الكثير من حالات البورفيريا التي لم تفسر بعد ، لذا يكثف العلماء جهودهم في البحث من أجل اكتشاف هذه الطفرات الجينية و دراستها و محاولة إيجاد علاج لها ، و ذلك من أجل إنقاذ مصابي هذا المرض النادر و هو البورفيريا .
و بالتالي يتضح لنا اوجه التشابه بين أعراض هذا المرض النادر و صفات مصاصة الدماء أو مصاص الدماء ، مما يجيب علي سؤال هل مصاصي الدماء حقيقة ام خيال ؟ هم خيال و لا يمتوا للواقع بصلة .
مرض داء الكلب (Rabies) و حقيقة مصاص الدماء :
العلاقة بين مرض داء الكلب و اسطورة مصاص الدماء تم وصفها لأول مرة عام 1733 ، و بعدها بثلاث سنين كتب عالم اللاهوت الفرنسي (Augustin Calmet) أن المرضي الذين ماتوا بسبب داء الكلب هناك احتمالية أكبر في أن يعودوا للحياة مرة آخري و لكن كمصاص دماء .
يعتبر داء الكلب مرض فيروسي يسببه فيروس اسمه (lyssavirus) ، و الذي ينتقل عبر لعاب الحيوانات اذا قاموا بالعض ، و هذه الحيوانات مثل : الخفاش ، الذئب ، الكلب ، حيث عندما يتم عض الانسان يصيبه الفيروس و يسير بشكل سريع في جهازه العصبي الخارجي حتي يصل لجهازه العصبي المركزي و المخ .
فالبداية يشعر المصاب ببعض الأعراض العامة مثل : بعض التعب و الاعياء و الشعور بالتنميل و خصوصا حول مكان العض ، ثم يصاب نوع خفيف من التهاب المخ (Encephalitis) الذي تكون اعراضه خفيفة ، ثم يتفاقم هذا الالتهاب مما يؤدي للاصابة بالتشنجات العضلية و الخوف من الماء و أرق النوم و التصرف بعنف و وحشية .
لذا هناك الكثير من الروابط بين أعراض مرض داء الكلب و صفات مصاصي الدماء الأسطورية مثل : الخوف من الماء حيث تعتبر الميه الجارية واحدة من ضمن المواد المنفرة التي تبعد مصاصي الدماء طبقا للفلوكلور الشعبي ، حيث تقل نسب تحول الميت لمصاص دماء اذا تم سكب الماء علي تابوته . و المصاب بداء الكلب يخاف من الماء لانه يجد صعوبه في شربه لما يتعرض له من تشنجات عضلية في الحلق حين يكثر لعابه ، لذا فهو يتقي أيضا رؤية الماء و ليس شربه فقط .
و المعروف عن مصاصة الدماء انه يتجنب رؤية انعكاسه في المرآة حيث انه ميت ليس له انعكاس ، كذلك يتشابه مريض داء الكلب مع مصاص الدماء في تجنبه لرؤية انعكاسه في المرآة ، و لكن بسبب أن الانعكاس يسبب له التشنجات العضلية المؤلمة في الحلق و بالتالي يتجنب ذلك .
كما أن مريض داء الكلب يتصرف بعنف و وحشية و قد يعض غيره ، و بالتالي ينتقل الفيروس من لعابه لشخص آخر ، و بالتالي يتشابه مع مصاص الدماء في قيامه بالعنف و عض الآخرين و تحويلهم لمصاصي الدماء ، و من صفات مصاصي الدماء الاسطوية هي نشاطهم الليلي و الذي يتم تفسيره في هذا المرض عبر ارق النوم الذي يصيب المريض ، و يرجع السبب في أرق النوع و التصرف الوحشي لمريض داء الكلب إلي اصابة جزء من جهازه العصبي يسمي (Limbic system) و هو جزء مهم و يصاب باكرا من خلال الالتهاب الذي يسببه الفيروس .
و علي عكس مرض البورفيريا ، يعتبر مرض داء الكلب أكثر انتشارا منه و يصيب الكثير من الأشخاص ، حيث مرض البورفيريا جيني لكن مرض داء الكلب فيروسي ينقل عن طريق عضة الكلاب , و ما أكثر الكلاب في مجتمعنا ! .
و مما سبق مرض آخر يؤكد اجابتنا السابقة لسؤال هل مصاصي الدماء حقيقة ام خيال ؟ نعم خيال اقتبسه الانسان من هذه الأمراض الطبية ، حيث وضحنا لكم كم التشابه بين أعراض هذه الأمراض و صفات مصاصي الدماء الأسطورية . لذا سيتبقي لنا مرض آخر يوجد تشابه بين صفات مصاصي الدماء و بين أعراض هذا المرض .
مرض البيلاغرا (Pellagra) و حقيقة مصاص الدماء :
يصاب الانسان بمرض البيلاغرا عندما ينقص من جسمه فيتامين بي 3 و يسمي بالنياسين (Niacin=Vitamine B3) و مكونه الحمض الأميني اللازم للجسم و هو تربتوفان (Tryptophan) ، و يسمي مرض البيلاغرا أيضا باسم ال 4Ds لأنه يسبب للمريض أربع أعراض يبدأون بحرف ال D في الانجليزية وهم :
التهاب الجلد (Dermatitis) و الاسهال (Diarrhea) و فقدان الذاكرة و العته (Dementia) ، و الاخير اذا لم يتعالج المريض بشكل صحيح هو الموت (Death) . و تعتير الحساسية من الضوء هي أهم أعراض المرض ، حيث عندما يتعرض المريض للضوء يتسبب ذلك باصابته بالاحمرار و الانتفاخ ، و علي المدي الطويل يصاب بفرط التصبغ و فرط التقرن ، و هي بقع و قشور تكثر علي الجلد و بالأخص في الرقبة فتعمل علامة مثل العقد يسمي (Casal Necklace) ، و تكثر أيضا علي الوجه الخلفي من اليد .
و من ضمن أعراض مرض البيلاغرا احمرار و التهاب اللسان بشكل يشبه قطرات الدم التي تتدلي من أنياب مصاص الدماء ، كما يتصرف المريض بعنف و عصبية و يصاب بأرق النوم و بالتالي التشابه مع صفات مصاصي الدماء . و في الاخير يعتبر أيضا البيلاغرا هو تفسير ل اسطورة مصاص الدماء حيث في السابق لقلة المصادر لم تكن الابحاث توصلت لتفسير البيلاغرا أنها مرض نتيجة لنقص مكون غذائي ، و بالتالي رجح الناس حينها بجهل ان المريض هو مصاص دماء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق